الفرقة الأولى كلية تجارة الأزهر , مادة الفقه , الأسواق ودورها في الحياة الإقتصادية , ترم ثان

 الفرقة الأولى كلية تجارة الأزهر , مادة الفقه , الأسواق ودورها في الحياة الإقتصادية , ترم ثان

مفهوم السوق :

-   الأسواق لغة : الأسواق ، جمع سوق ، وهي الموضع الذي يجلب إليه المتاع والسلع للبيع والابتياع  أى الشراء وهو يذكر ويؤنث والتأنيث أفصح .

-  السوق عند أهل الاصطلاح لا يخرج عن هذا المعنى اللغوي، فقالوا فيه: مكان يجتمع فيه الناس للبيع والشراء.

·    السوق في الوقت المعاصر

-         وإطلاق السوق على المكان الذي يجتمع فيه الناس للتعامل معا قد تجاوزه الاقتصاد المعاصر ؛ حيث لم يعد وجود الأسواق مرتبطا ببقعة جغرافية يجتمع فيها الناس للتعامل .

-          فبسبب ثورة الاتصالات التي يسرت اتصال الناس بعضهم مع بعضا أصبحت العماد الأساس لوجود الأسواق هو إمكانية الاتصال بين الأفراد ، فقد يجعهم موقع الكتروني ، أو شبكة انترنت أو غير ذلك من الوسائل المعاصرة التي يسرت التواصل بين الناس ، وقد تعاظمت أهمية الأسواق حتى أصبحت الأسواق التقليدية ذات البقعة والحيز المكاني ضعيفة الأثر في الحياة الاقتصادية بشكل عام .

-         كما لم تعد الأسواق محصورة في البيع والشراء فقط إنما وجدت أسواق لكافة صور تقليب المال في كافة وجوه الاستثمار المختلفة.

-          والفقه الإسلامي لا يرى بأسا بهذا التطور في شكل السوق ؛ لأن الأصل في المعاملات الإباحة ما لم يرد دليل بالمنع ، ولا يوجد ما يلزم أن تكون الأسواق بشكل ما .

-         طبيعة السوق في الاقتصاد الإسلامي :-

-          تختلف الأسواق من حيث طبيعتها وخصائصها والأسس التي تقوم عليها باختلاف النظام الذي تنبثق عنه ، فالسوق في الاقتصاد الرأسمالي له طبيعة تختلف عن طبيعة السوق في النظام الاشتراكي أو النظام المختلط وهكذا.

-         والسوق في الإسلام لها طبيعة خاصة فلا هي اشتراكية حتى وإن اتفق معها النظام الاشتراكي في بعض المجالات، وليست رأسمالية حتى وإن اتفق معها هذا النظام أيضا في بعض الأحكام ، فهي سوق متميزة لها طبيعتها ، فلا رأسمالية ولا اشتراكية ، ومن الخطأ وسمها بأي نظام من هذه .

-         ولئن كانت الحرية الاقتصادية هي الأصل في التفرقة بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي حيث تتعاظم الحرية في الأول وتكاد تتلاشى أو تلغى في الثاني ، فإن الإسلام قد ملك في تنظيمه للسوق والتجارة والمنافسة بوجه عام مسلكا وسطا يتمثل في المنافسة الحرة المنضبطة بقيم الإسلام وقواعده ومقاصده ، وليست المنافسة المنفلتة من أي قيم والتي تدمر المجتمعات وتحولها إلى خراب .

-          لقد أكد الإسلام على أن أي تدخل فى السوق من حيث المبدأ - هو ضد السير الطبيعي للقوانين التي يسير الله بها الحياة، سواء كان هذا التدخل من السلطة الممثلة للمجتمع (الدولة) في صورة تسعير السلع، أو من الأطراف المتعاملة فيه في صورة اتجاهات احتكارية.

-     ويقتضى نظام المنافسة الحرة في السوق أن تكون الأسعار نتيجة للعرض والطلب، وأن أى تغير في السعر ارتفاعا أو انخفاضا يكون نتيجة للتفاعلهما، ولذلك فالأصل في الإسلام عدم التسعير إلا لضرورة تقتضيها ظروف المجتمع.

-         كذلك يقتضى هذا النظام أن تكون هناك حرية كاملة في السوق من حيث الدخول فيه والخروج منه وحرية انتقال عناصر الإنتاج بين وجوه الاستخدام المختلفة، ويؤدى توافر هذه الحرية في السوق الإسلامية إلى توزيع القوى الاقتصادية، وعدم حصرها في مشروع واحد أو عدد قليل من المشروعات الأمر الذي يحول دون ظهور الاتجاهات الاحتكارية التي تحاول حصر الإنتاج وتحديده ورفع الأسعار وإيجاد الاستغلال.

-         ولذلك فقد حث الإسلام على كل الأعمال التي فيها خير للمجتمع من زراعة وصناعة وتجارة وغيرها، وذلك لحاجة المجتمع إلى كل هذه الأنشطة مجتمعة.

-          قال تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) ( التوبة :١٠٥) وقال تعالى ( وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ( المزمل :٢٠)

-      وقال تعالى (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) ( الملك : ١٥)

-    وأخرج البخاري عن المقدام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أكل

أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده) . 

-    كما أكد الإسلام أن كل ما يحتاجه الناس من الحرف وصناعات هو من المصالح العامة للمسلمين وليس الحق فيها لواحد بعينه ولا يجوز لأهل أية صناعة أن يمنعوا أحدا من الدخول فيها إذا أراد ذلك وهو متقن لها.        

-          قال ابن عابدين في باب الحجر: " يعلم من هذا عدم جواز ما عليه بعض أهل الصنائع والحرف من منعهم من أراد الاشتغال في حرفتهم وهو متقن لها، أو أراد تعلمها فلا يحل التحجير "

-         " وقال الشاطبي " كل فعل يؤدى إلى مصلحة لا يجوز المنع طالما يحقق هذه المصلحة .

-         ومعنى ذلك أن حصر الإنتاج واحتكاره وهو عين الاحتكار في العرف الاقتصادي الحديث لا يجوز سواء جاء من جانب أصحاب الحرف أو من ولى الأمر، وخاصة إذا كان هذا الاحتكار لمصلحة خاصة أو طبقة معينة، أما إذا كان لأجل المصلحة العامة التي تقدر بقدرها فلا بأس تطبيقا للقواعد العامة في الإسلام.

-         وإذا كان الفقهاء قد حاربوا احتكار الصنائع والحرف فإنهم قد حاربوا احتكار التجارة في الأسواق وجعلوا من الظلم البين حصر البيع في السوق بأناس مخصوصين وإغلاق السوق عليهم، والتحكم فى الإنتاج عن طريق منع مؤسسات أخرى من الدخول في صناعة سلعة أو خدمة معينة، وأيضا احتكار السلع وحبسها عن الناس بإرادة إغلائها عليهم وهنا يكون لولي الأمر أن يجبر المحتكرين على تحرير السلع والخدمات.

-         يقول ابن تيمية: " وأبلغ من هذا أن يكون الناس قد التزموا أن لا يبيع الطعام أو غيره إلا أناس معروفون لاتباع تلك السلع إلا لهم، ثم يبيعونها هم فلو باع غيرهم ذلك منع، فهاهنا يجب التسعير عليهم بحيث لا يبيعون إلا بقيمة المثل ولا يشترون أموال الناس إلا بقيمة المثل بلا تردد في ذلك عند أحد من العلماء .""

مفهوم الاحتكار وحكمه :

الاحتكار : حبس السلع والخدمات ونحوها عن الناس في وقت الحاجة إليها ؛ يقصد إغلاء

سعرها والتضييق على الناس .

صور الإحتكار  : وصورة المعاصرة أكثر من أن تحصى

-         فقد يكون في الأطعمة وغيرها من الأشياء العينية الضرورية والتي لا غنى للناس عنها ؛ حيث يتعمد البعض حبسها وتخزينها في المخازن ومنع الناس منها حتي يضطروا إليها ومن ثم يبيعونها بالثمن الذي يريدونه .

-         كما يكون أيضا في الخدمات المختلفة كخدمة نقل الركاب، والاتصالات ، والتعليم ، والتجارة وسائر الحرف والمهن المختلفة ، حيث يحتكر البعض حق ممارسة مهنة معينة بدون وجه حق، ويمنعون الترخيص لغيرهم بالدخول فيها ، ويفرضون ما يشاءون من عوض مقابل أداء هذه الخدمات ، أو أن تنفرد شركة بعينها بحق تقديم خدمة للناس ويمنع غيرها من تقديم هذه الخدمات للناس ؛ إذ في وجود أكثر من شركة مصلحة للناس في تقديم أفضل الخدمات وبالأسعار المناسبة لكن عند احتكار شركة واحدة لخدمة ما فإنها تفرض ما تشاء من أسعار وتقدمها دون مراعاة الجودة المطلوبة

-          وقد يكون الغرض من الاحتكار كما يحدث في الشركات ونحوها أن يتعمد البعض شراء معظم أسهم بعض الشركات ليكون له الحق في اتخاذ القرار , وتوجيه سياسة الشركة إلى ما يريد ، ومنه : الإضرار بالشركاء أو بالاقتصاد

-         وقد يكون أحتكار استيراد سلعة بعينها بحيث يكون هو الوكيل الوحيد لهذه السلعة ، ولا يسمح بدخولها البلاد إلا من خلاله هو : فقط ، ويمنع كل من يسعى للحصول على حق استيرادها

-         وقد يكون احتكار تصنيع سلعة ومنع الآخرين من ذلك ولو بالترهيب ونحوه حتى يضمن احتكار السوق له فقط ومن ثم فرض السعر الذي يريده

-         وقد يكون حبس العلم والتكنولوجيا عن الناس ليضمن أصحابها الهيمنة والتسلط على الخلق .

-         وبالجملة : فكل ما يضر بالناس حبسه ويغلي عليهم سعره فهو احتكار محرم شرعا .

تجريم الاحتكار في الإسلام :

من قواعد الإسلام الجامعة : لا ضرر ولا ضرار ، وهو عام في كل حرج وضرر ، فيشمل كل ضرر سواء وقع الضرر على الشخص نفسه أو على غيره ، فكل ما كان من هذا القبيل فهو محرم شريعا

-         ومع هذا النص الجامع إلا أنه وردت نصوص خاصة بالاحتكار اعتبرته كبيرة من الكبائر ، وهو ما لا حظه ابن حجر الهيثمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر ، حيث عده كبيرة ، ومما يدل على ذلك :

ما أخرجه أحمد في المسند أن معقل بن يسار مرض فعاده عبيد الله بن زياد ، فقال : هل تعلم يا معقل أني سفكت دما ؟ قال : ما علمت . قال : هل تعلم أني دخلت في شيء من أسعار المسلمين ؟ قال : ما علمت ، ثم قال : اسمع يا عبيد أحدثك شيئا لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم مرة ولا مرتين ( أى سمعه كثيرا)  ، رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم فإن حقا على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعُظم - بضم العين وإسكان الظاء - من النار يوم القيامة . قال : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : نعم غير مرة ولا مرتين ( وعظم النار أي : مكان عظيم فيها ، وهو دليل على شدة ما يلاقيه المحتكر من العذاب يوم القيامة .

-   وعند مسلم وغيره عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله العدوي ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : من احتكر فهو خاطيء ) " وفي رواية لأحمد من حديث أبي هريرة: «من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين، فهو خاطئ» " ومعنى " خاطيء " أي عاص وآثم .

-  وهناك نصوص أخرى وإن كانت دون ما تقدم لكنها كلها تؤكد عظم جريمة الاحتكار في الإسلام .

الحكمة من تحريم الاحتكار أو الآثار الاقتصادية والاجتماعية للاحتكار:

 شريعة الإسلام ما تفرض فرضا ولا تحرم شيئا إلا رعاية لمصالح الخلق ، ودفع المفاسد إذ يحظى بهذا وتصرف مثل الاحتكار فيه من المفاسد والمضار والمهالك التي تقع على المجتمع كله الكثير والكثير، ويمكن رصد بعض هذه الآثار فيما يلي:

أولا : التضييق على الناس في الحصول على ما يحتاجونه ، وإلحاق الضرر بهم خاصة إذا كانت هذه السلع والخدمات من جنس الضروريات التي لا يمكن لأي شخص الاستغناء عنها ، كالطعام الضروري ، والدواء ، ونحوهما .

ثانيا : يؤدي الاحتكار إلى ارتفاع أسعار السلع بسبب حيسها ، على غير القواعد المعتبرة اقتصاديا في ارتفاع الأسعار ، وبذلك يكون ما حصل عليه المحتكر من ثمن بهذه الطريقة أكلا لأموال الناس بالباطل ، واستحلال أموالهم بغير حق .

ثالثا : يعدم الاحتكار قاعدة أصلية في مجال التجارة وهي التراضي ، فالمحتكر يجبر على الشراء منه ؛ إذ لا يوجد غيره ، وفي ذلك إخلال بأهم مبدأ تقوم عليه التجارة ، وهو قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) ( النساء : ٢٩.

رابعا : يؤدي الاحتكار إلى فرض المحتكر شروطا مجحفة على المستهلك ، وقد يتدخل في شئونه الخاصة ، وخاصة في مجال العلاقات الدولية ؛ إذ تفرض الدول المحتكرة لإنتاج سلعة معينة ما تريد من شروط ، ومنها : التدخل في الشئون الداخلية لهذه الدولة ؛ وفي ذلك من الظلم والفساد ما لا يجهله أحد.

التسعير وأثره في محاربة الاحتكار :

المحاربة الاحتكار وسائل متعددة منها ما هو جنائي يتمثل في عقوبة المحتكر عقوبة تعزيرية تتناسب مع جريمته ومدى خطرها ، أو منعهم من التجارة بسحب الترخيص بمزاولة المهنة من أمثال هؤلاء ، وقد تتمثل في فرض الدولة سعرا معينا للسلع المحتكرة لا يجوز لأصحابها أن يزيدوا عليه .

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu