كلية تجارة الأزهر الفرقة الأولى ترم ثان ,مدخل لدراسة العقيدة جزء (1)

 كلية تجارة الأزهر الفرقة الأولى ترم ثان ,مدخل لدراسة العقيدة جزء (1)

تعريف العقيدة عند «لوبون » وهوالمفكر الفرنسي: «گوستاف لوبون» (Gustave Le Bon» من أبرز المهتمين بدراسة موضوعه العقيدة) وما يتعلق بها؛ من حيث: تعريفها وعوامل تكوينها وخصائصها وأثرها في بناء الحضارة.

العقيدة عند (لوبون» - هي: «إيمان ناشئ من مصدر لا شعوري، يكره الإنسان على تصديق فكر، أو رأى، أو تأويل، أو مذهب من غير دليل». وفي ضوء هذا التعريف يتبين لنا أن العقيدة هي مجرد إيمان لا شعوري» يفرض نفسه على المرء، وله من القوة بحيث يبعث على الاعتقاد في شيء ما دون أن يعتمد هذا الاعتقاد على أي برهان أو دليل.

والتركيز على عنصر اللاشعور وجعله المصدر الوحيد في إمداد الإنسان بالاعتقاد يستلزم بالضرورة استبعاد العقل، وإهدار قيمته في تكوين العقيدة وفي توجيهها الوجهة الصحيحة.

وانطلاقا من استبعاد عنصر العقل في عملية الاعتقاد يفرق «لوبون» بين معنى العقيدة من ناحية ومعنى العلم» أو «المعرفة» من ناحية أخرى، ويقيم بينهما تعارضًا لا سبيل معه إلى أدنى التقاء بين هذين المفهومين؛ فالعقيدة - كما سبق - إحساس غامض له قوة الإلزام في الاعتقاد، ويشترط فيه ألا يكون نتيجة برهنة أو استدلال، أما العلم أو المعرفة- فمصدره تحديدا هو العقل. ويقرر الوبون أنه لو حاول شخص أن يؤيد عقيدته بعد تكوينها فعلا بأدلة العقل وبراهينه، فإن العقيدة لا تبقى في هذه الحالة عقيدة، بل تنقلب إلى معرفة أو علم  .

فالعنصر المميز للعقيدة عند هذا الفيلسوف هو إقصاء العقل وإلغاء دوره وتأثيره في عملية الاعتقاد.

وقد ادعى «لوبون  أنه استطاع في ضوء نظريته هذه أن يفسر لنا ظاهرة العقائد الخرافية واللامعقولة التي يدين بها نفر من العلماء والفلاسفة فمع غيبة العقل - الحاكم والمصحح - في أمر الاعتقاد تستبد الأحاسيس - الصحيحة أو الزائفة بالشخص المعتقد، وتملي عليه أوهاما وأخيلة تفرض نفسها على قلبه ووجدانه .

نقد هذا التعريف:

وليس من شك في أن تحليلات «لوبون للعقيدة يترتب عليها إلغاء الفرق بين العقيدة الصحيحة والعقيدة الزائفة، أو بين العقيدة المطابقة للحقيقة و بين الواقع .

والعقيدة التي لا تمت إلى الواقع بأدنى صلة أو سبب، فكل منهما يسمى عقيدة، وكل منهما يسمى إيمانًا، ولا فرق عنده - في معنى الاعتقاد اعتقاد صحيح و اعتقاد غير صحيح. ولنا أن نتصور مدى التضارب أو التناقض في مفهوم العقيدة بالمعنى الغربي- إذا جعلنا اللاشعور هو الفيصل الوحيد في تحديد أمر العقيدة، والأهم من كل ذلك أنه لو فكر شخص في قضية وجود الله - تفكيرا مبنيا على الاستدلال والبرهنة العقلية، ثم انتهى به تفكيره إلى الإيمان بوجوده تعالى، فإن هذا الإيمان فيما يرى «الوبون) - لا يسمى: عقيدة أو اعتقادا، وإن علما، وهذه تفرقة ترفضها مقاييس اللغة ومقاييس الاصطلاح على السواء

العقيدة بالمفهوم الإسلامي :

العقيدة في معناها اللغوي - مأخوذة من مادة: «عقد» بمعنى: ربط أو شد أو عزم، سواء تعلق معنى العقد و الربط بأشياء مادية أو أمور معنوية، فكما يقال: عقد الخيط؛ بمعنى: أحكم ربطه وشده، يقال: عقد قلبه على كذا؛ بمعنى: اعتقده وصدق به ويستشهد على هذا المعنى بقوله : «الخيل معقود في نواصيها الخير»  أي: ملازم لها ومشدود إليها

وأصل اشتقاقات هذه المادة في اللغة هو: «العقد»؛ بمعنى: الإحكام والتوثيق والتأكيد، ومن هنا قيل عقد اليمين وعقد البيع، وعقد النكاح، فإذا قيل: انعقد قلبه على الإيمان بقضية ما، أفاد ذلك ثبوت هذه القضية في قلب المعتقد، وتمكنها فيه بصورة لا تقبل النقيض.

ونلاحظ أن المعنى اللغوي للفظ «العقيدة» يدل على ثبوت الاعتقاد في القلب وتمكنه منه، بغض النظر عن منشأ هذا الاعتقاد ومصدره.

-  فسواء كان الاعتقاد اعتقادًا حقيقيا أو اعتقادًا باطلا؛ فإنه يسمى عقيدة» في العرف اللغوي. 

أما في اصطلاح العلماء؛ فإن العقيدة هي: ما يجب اعتقاده على المكلف كوجوب وجوده تعالى ووجوب قدرته، ويفهم من قوله تعالى: ﴿ فَأَعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ﴾ [محمد: (۱۹)، إن العقيدة هي العلم،

وأنهما متساويان في المفهوم، وهذا ما نجده فعلا عند علماء العقيدة حين يذهبون إلى أن الاعتقاد والعلم والمعرفة كل ذلك بمعنى واحد ، ويعرفون العلم بأنه: «الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، الناشئ عن دليل

 

والعقيدة بهذا المعنى الإسلامي لا تنطبق إلا على العقيدة الصحيحة

فقط، ولابد فيها من شرط الجزم والثبات في المعتقد، حتى تتميز عن حالات الشك والظن والوهم، كما يشترط فيها صحة الاعتقاد، وهو ما يعبرون عنه بمطابقة الواقع؛ أي: مطابقة الاعتقاد للحقيقة ونفس الأمر، وهو شرط يميزها عن المذاهب والآراء الباطلة التي يدين بها كثير من الناس. وهكذا تتميز العقيدة في الإسلام بأنها:

اعتقاد جازم.

مطابق للواقع.

ناشئ عن دليل.

وهذا هو الاعتقاد الحق، والعلم الصحيح، والمعرفة اليقينية.

العقيدة عند علماء المسلمين

وإذا كان قد عرفنا العقيدة الصحيحة بأنها الإدراك الجازم المطابق للواقع، فإن الطريق الذي تثبت به العقيدة لابد أن يكون طريقا يقينيا، إذ لو كان طريق ثبوت العقيدة طريقا ظنيًّا، أو طريقًا احتماليا قابلا للشك، فإن العقيدة حينئذ ينطبق عليها نفس ما ينطبق على الطريق الذي ثبتت به؛ فتكون هي الأخرى أيضًا ظنا من الظنون المتأرجحة بين الثبات والتغير، بحيث لو عارضها ظن أقوى منها أو عارضها يقين فإنها لا تلبث أن تتلاشى وتزول

ونفس الشيء: لو كان طريق ثبوت العقيدة شكوكا أو عادات وتقاليد؛ فإنها والحالة هذه لا ترقى أبدا إلى مستوى العقيدة الصحيحة، بل تبقى في مستوى الوهم أو مستوى التقليد الأعمى، وكثيرا ما تهبط إلى مستوى الاعتقاد اللامعقول، مثل اعتقاد الألوهية في الأحجار أو الحيوانات أو الأشخاص، وما إلى ذلك من اعتقادات ينكرها العقل الصريح.

وهكذا تتسرب العقيدة إلى قلب المرء عبر طرق عدة، وتتلون بلون المسلك الذي أخذت منه طريقها إلى قلب المعتقد وعقله، بحيث يتوقف الحكم على صحة عقيدة ما أو فسادها على اختبار طريق العقيدة والوسيلة المعرفية التي أنتجتها. فإذا كان الطريق يقينيا كانت العقيدة علمًا يقينيًا صادقا لا يقبل ما يناقضه، وإذا كان الطريق ظنيًا أو مشكوكا في أمره؛ لم يكن الاعتقاد الناشئ عنها إلا ظنا قابلا للاحتمال أو شكا يخلد إلى الوهم والخيال، وكل منهما ليس من العقيدة الصحيحة في شيء.

وهنا نجد لعلماء العقيدة المسلمين نهجًا في غاية الدقة، يحصرون به طرق العقيدة الصحيحة في عوامل ثلاثة يسمونها: «أسباب العلم»، وهي أسباب تعطي للمعرفة أو العقيدة الحاصلة بها وصف اليقين الذي لا يتبدل ولا

يزول، هذه الأسباب هي 

(١) الحواس السليمة وهي التي تعرف بالحواس الخمس التي هي:

السمع، البصر، والشم والذوق، واللمس، فالعلوم الناشئة عن طريق الحاسة السليمة علوم يقينية لا يصح التشكيك فيها، فإذا علمت - مثلا - عن طريق اللمس أن هذا الجسم حار أو بارد، وعن طريق البصر أن هذا الشيء أسود أو أبيض، فإن علمي هذا علم يقيني، وقل مثل ذلك في إدراكات السمع والشم والذوق؛ فكلها علوم يقينية مطابقة للواقع، لا تقبل نقائضها بحال من الأحوال.

(٢) العقل: وهو القوة التي أودعها الله في الإنسان، وميزه بها من بين سائر خلقه، وأوكل إليه مهمة التحليل والتركيب والاستنباط.

والعقل - في إطار النظر المنضبط بقواعد التفكير الصحيح قادر على إدراك العلوم اليقينية والمعارف الصحيحة والعقائد الحقة المنجية للإنسان في الدنيا والآخرة، مثل قضية وجود الله؛ فهي قضية تنتهي في التحليل المنطقي إلى بديهة العقل التي تقرر أن لكل حادث محدثًا، ولكل معلول علة، فمثل هذه القضية التي تربط في التحليل النهائي ببدهيات العقل و ضرورياته قضية صادقة ويقينية.

وقد لفت القرآن الكريم أنظار البشر إلى أهمية استخدام المسلكين السابقين؛ المسلك الحسي، والمسلك العقلي القاطع في اكتساب العلم اليقيني والعقيدة الصحيحة؛ فقال فيما يتعلق بالمسلك الأول: ﴿وَفي أنفسكم أَفَلا تُبصِرُونَ ) [الذاريات: ۲۱]، 

"فلينظر الإنسنُ إلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَيْنَا المَاءَ صَبا ثمَّ شَفَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا " [عبس: ٢٤-٢٦] " فَلْيَنظُرِ الْإِنسَنُ مِمَّ خُلِقَ " [الطارق: ه، إلى آيات كثيرة جاءت للغرض ذاته، أعني استعمال الحواس في اكتساب العلم الصحيح. أما فيما يختص باستعمال المسلك الثاني؛ فإن المجال يضيق عن سرد العديد من الآيات التي تحث العقل وتدفعه دفعا لأن يلاحظ وينظر، ثم يقيس ويستنتج ويستنبط، ليكون على بينة من الأمر فيما يقبل أو يرفض من أفكار وآراء.

الخبر الصادق ومعنى الصدق في الخبر: مطابقته للواقع، ولأن الخبر إنباء عن واقع خارجي  ، فلكي يكون الخبر صادقًا يجب أن يتطابق تمام التطابق مع هذا الواقع الذي يحكيه وينقله إلى ذهن السامع . 

والخبر الصادق على قسمين

أ) الخبر المتواتر وهو الخبر الذي يصل إلينا عن طريق جمع كبير من الناس يتفقون في حكايته ولا يتصور العقل إمكان اتفاقهم – فيما بينهم على الكذب فيما يقولون والخبر المتواتر لاشك في أنه يفيد علما يقينيًا صادقًا ، وذلك مثل علمنا بالفتوحات الإسلامية التي وصلت إلينا أنباؤها

أما ما وصل إلينا من أخبار الرسول له عن طريق الآحاد : أي الخبر الذي نقله عنه واحد يجوز أن يكون قد نسي أو أخطأ، فإنه من حيث إفادة العلم - يكون في مرتبة أقل من مرتبة الخبر المتواتر، ومن هنا يتفق جمهور علماء الكلام على أن الخبر المتواتر هو فقط ما تنبني عليه العقيدة في الإسلام؛ لأنه دليل قطعي لا يأتيه الشك من بين يديه ولا من خلقه ، على أن خبر الآحاد له قيمته في المسائل العملية؛ أي: الأحكام الشرعية، التي تسمى الفروع دون مسائل الاعتقاد التي هي الأصول». ومما ينبغي أن نعرفه في هذا المقام أن حديث الأحاد- الذي يتضمن بعض العقائد إذا تلقته الأمة بالقبول نظرا لتعدد طرقه وتكرار روايته؛ فإنه يرتقي بهذه القرائن إلى مرتبة الحديث المتواتر في إفادته العلم اليقيني في مجال العقيدة والاعتقاد. وقد يقال هنا: إذا كان العقل يجوز الخطأ عن الشخص الواحد» فيما ينقله ويرويه من أخبار ، فكيف يصير خبر الواحد، إذا قبلته الأمة وعملت به خبرًا يفيد اليقين مثله مثل الخبر المتواتر الذي لا يتطرق إليه احتمال الخطأ

بحال ؟! والجواب: أن اليقين» الذي يفيده خبر الواحد أو «خبر الآحاده حين تجمع عليه الأمة، هذا اليقين ليس مصدره هو «خبر الواحد» الذي يحتمل الخطأ بحكم العقل، بل مصدره إجماع الأمة، أي قبول الأمة ورضاؤها بهذا الخبر والعمل به، وقد يسأل بعد ذلك: إذا كان الأصل الذي استندت إليه

الأمة، وهو خبر الواحد، محتملاً للخطأ فمن أين جاء هذا اليقين؟ والجواب: جاء هذا اليقين من دليل نقلي لا عقلي منفصل تمام الانفصال عن خبر الآحاد، وهو قوله : إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة) (۱). فهذا الحديث هو الحجة في أن ما تجمع عليه الأمة يكون صحيحًا ويقينيًا، حتى وإن كان الخبر الذي استندت إليه في هذا الإجماع خبر آحاد لا يفيد اليقين. ومن هنا قد يكون حديث الآحاد محتملا للخطأ، لكنه يفيد اليقين حين تعمل به الأمة، وكذلك قد يكون حديث الأحاد صحيحًا من حيث الثبوت، ولكن تتركه الأمة ولا تعمل به، فلا يكون حديثاً معمولاً به، ولا يلزمنا أتباعه في الفروع فضلا عن الأصول.. ومن هذا الباب كل أحاديث الآحاد التي لم تجر حياة المسلمين في مجتمعاتهم على العمل بها وتطبيقها، مثل أحاديث: رضاع الكبير، وتحريم الصلاة في المساجد التي بها أضرحة للأولياء والصالحين، ومثل حديث الذبابة وغيرها... فهذه الأحاديث لمن تجتمع عليها الأمة؛ فهي غير ملزمة.

إرسال تعليق

0 تعليقات

Close Menu