المحاضرة الأولى السيرة النبوية للفرقة الثانية كلية تجارة الأزهر ترم ثان
القسم الأول: السيرة النبوية العالم قبل الإسلام
-كان العالم قبل ظهور الاسلام بعيدا عن
الجزيرة العربية يسيطر عليه إمبراطورية الفرس شرقا وإمبراطورية الروم ،غربا، وكانت
بينهما حروب طاحنة لاتنتهي معركة حتى تبدأ معركة جديدة حتى أضعف كلا منهما الاخر.
-كان أغلب شبه الجزيرة العربية صحراء مترامية
الاطراف، لا ماء فيها ولا نبت إلا في بعض أطرافها كاليمن في الجنوب، فقد حباها الله
بكثرة الأمطار؛ ثم بناء سد مأرب، ووقوعها في طريق تجاري مهم مما أدي الاستقرار وإقامة
دول بها كسباً، وحمير، مما أدى في النهايه إلى تنافس الروم والفرس لاحتلالها بسبب موقعها
التجاري المهم.
- أما وسط شبه الجزيرة الصحراوي فينقسم
إلى ثلاث مناطق هي: مكة والمدينة والطائف، فمكة بسبب وجود الكعبة بها التي يرد إليها
الحجيج من جميع أجزاء الجزيرة العربية، وأذان سيدنا إبراهيم للحج إليها جعلها مكاناً
تجاريا مهما، والطائف التي أصبحت مصيفاً لأهل مكة والمدينة المنورة بكثرة الأمطار بها
وأرضها الطيبة التي تنبت بها كثير من النخيل التي تدر لأهلها المال الوفير فمكة بلد
النبي ، والمدينة دار هجرته .
- ولم يكن للعرب وحدة سياسية تجمعهم ولا
وحدة روحية صحيحة تربط بينهم، وكان الفساد منتشرا بين القبائل العربية والفرقة رائدهم
والمعارك الطاحنه تدور بينهم كالرحى، والعصبية العقيمة تزيدها اشتعالا.
-وبينما الأصنام والأوثان وغيرها هي السائدة
في انحاء الجزيرة العربية حتى داخل جوف الكعبة وخارجها، ووسط هذا الظلام الدامس الذي
حل علي العالم العربي ظهر فجر الاسلام علي يد سيد الخلق أجمعين محمد .
ميلاد
النبي :
-ولد محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن
هاشم بن عبد مناف بن قصي في صبيحه يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام
الفيل الموافق لسنة 570 ميلادية ، وكان أبوه عبد الله قد مات قبل ميلاده عليه السلام
بسبعة أشهر، وكان وفاته بيثرب "المدينة" أثناء عودته من رحلة تجارية في بلاد الشام؛ من هنا أصبح محمد يتيم الأب
قبل ميلاده بسبعة أشهر.
- وقد ولد النبي صلى الله عليه وسلم بشعب
بني هاشم بمكة، ولما ولدته أمه آمنه بنت وهب من بني زهرة أخو قصي بن كلاب أحد أجداد
النبي أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده فجاء مستبشراً، واختار للمولود اسم محمد،
لكي يحمده الله في السماء، وأن يحمده الناس في الأرض، وقيل أن أمه آمنه هي التي سمته
محمدا كما أمرت بذلك في منامها
رضاعه في بني سعد :
كانت العادة المتبعة عند أهل مكة أن يلتمسوا
المراضع لأولادهم في البادية لسببين:
- أولاً : ليبعنو صغارهم الرضع عن أمراض
المدن التي كانت كثيرا ما تصيب الاطفال وهناك تقوي أجسامهم، وتشتد اعصابهم لما في هواء
البادية من الصفاء والنقاء .
ثانيا : ليتقن صغارهم العربية الفصحى في
مهدهم، وبالأخص في مكة حيث يأتي الحجاج العرب إليها للحج للبيت الحرام، وهم بطبيعة
الحال بلهجات مختلفة.
-وكانت
المراضع تأتي من البادية إلى مكة بحثا عن الاطفال الرضع لارضاعهم بمقابل. وكانت هناك
قبائل مشهورة تفردت لهذا العمل، ومنها قبيلة بني سعد، وقد انتظرت آمنة قدوم المرضعات
من بني سعد، لترضع إحداهن ولدها وفي فترة الانتظار لمرضعات بني سعد دفعت آمنة ولدها
الرضيع إلى ثويبة جارية أبي لهب عم الرسول فارضعته فترة كما شاركه في الرضاعة منها
عمه حمزة بن عبد المطلب.
-وأخيرا أقبلت مرضعات بني سعد إلى مكة،
وكان من الطبيعي أن تبحث المرضعات عن الاطفال ذوي اليسار طمعا في كرم أبائهم والابتعاد
عن الأطفال الفقراء اليتامي، اذ لا أمل في حصولهن علي مال يرضيهن.
- وبالفعل عزفت بني سعد عن إرضاع محمد الطفل
اليتيم والفقير أيضا، وكانت بين هؤلاء المرضعات حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية التي لم
تظفر بطفل لإرضاعه بسبب ضعف حالها وبكاء طفلها الدائم جوعاً لكنها كرهت أن تعود إلى
البادية بغير طفل، بينما عادت المرضعات بطفل أو أكثر، فأخذت عندئذ محمداً بعد أذن زوجها
"الحارث بن عبد العزى" المكنى بأبي كبشة أملة أن يجعل لهما علي يديه خيراً
وبركة .
-وعلي هذا الحال من البركة التي حلت بحليمة
وزوجها بقي رسول الله سنتين حتى فطم فقدموا به علي أمه زائرين لها، ثم رجتها حليمة
أن ترده معها فردته بعد إلحاح منها، ثم مالبثت أن عادت به بعد فترة حيث حدث للرسول
حادثة شق الصدر.
حادثة شق الصدر:
-قصة شق صدر النبي وهو عند حليمة السعدية
مشهورة وقد رواها الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك أن الرسول صلى الله عليه وسلم
أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج منه علقة فقال هذا
حظ الشيطان منك فغسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لزمه ثم أعاده إلى مكانه وجاء الغلمان
يسعون إلى أمه - أي مرضعته – أن محمدا قد قتل فاستقبلوه وهو ممتقع اللون .
-وكانت هذه الحادثه سببا لرد النبي صلى
الله عليه وسلم خوفا عليه من الشيطان لأمه إلا أنها أقنعت حليمه بأن ما للشيطان من
سبيل لولدها فعادت به إلى البادية حتى بلغ عمره الرابعة أو الخامسة حين ردته مرة ثانية
لما علمت أن نفرا من الحبش النصارى رأوه معها فنظروا إليه وسألوها
عنه وقلبوه وأردوا أخذه معهم إلى موطنهم فإن هذا الغلام كائن له شأن إلا
أن حليمة السعدية افلتت منهم ، وعادت به لأمه.
-وفي السنة السادسة من عمر الرسول صلى الله
عليه وسلم ذهبت به أمه إلى المدينة الزيارة أخواله من بني النجار ومعها أم أيمن جاريتها
وأثناء عودتهم ماتت أمه في الطريق عند الابواء، فرجعت به أم أيمن إلى جده عبد المطلب.
فأصبح الرسول صلى الله عليه وسلم في كفالة
جده عبد المطلب إلى أن بلغ الثامنة من عمره في رعاية كاملة منه، وحبا يفوق حبه لأولاده
- أي أعمام الرسول صلى الله عليه وسلم - ومات عبد المطلب فكفله عمه الشقيق أبو طالب،
وقام برعايته أحسن قيام وكان يحبه حبا جما؛ ثم لما بلغ الرسول الكريم الثالثة عشر من
عمره خرج مع عمه في قافلة تجارية قرشية لبلاد الشام حتى وصلا بصری – قصبه حوران –
-وكان
في هذا البلد راهب اسمه بحيرى في صومعة له وكان إليه علم أهل النصرانية وكانوا كثيرا
ما يمرون به قبل ذلك فلا يلتقت إليهم ولا يعترضهم حتى كان ذلك العام، فلما نزلوا قريبا
من صومعته صلع لهم طعاما كثيرا، وطلب منهم أن يكونوا ضيوفه علي غير عادته سابقا بل
ألح عليهم فقبلوا ضیافته وهم متعجبون لذلك، وتخلف الرسول صلى الله عليه وسلم من بين
القوم لحداثة سنه سنه في رحال القوم تحت الشجرة فلما نظر بحيرى في القوم لم يجد فيهم
الصفة التي بريدها فقال: يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي قالوا ما تخلف أحد
ينبغي أن يأتيك الاغلام وهو أحدث القوم سناً، فقال الراهب أدعوه فليحضر هذا الطعام
معكم. فأحضروه فلما رأه بحيرى جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء في جسده قد كان
يجدها من صفته، فلما نظر إلى ظهره فرأي خاتم النبوة بين كتفيه علي موضعه عندئذ اشار
بحيرى إلى عمه أبي طالب أن يرجع به خوفا عليه من عدو يترصده وأخبره أن له شأنا فرجع
به أبو طالب إلى مكة دون أن يتم تجارته .
اشتغاله بالرعي والتجارة:
-لما عاد محمد د مع عمه أبي طالب من الشام
لم يقبل أن يظل مع عمه وخصوصا وأنه يعلم حقيقه أحواله المالية بالإضافه إلى رحلته التجارية
غير الناجحة بسبب عودته المفاجئه، فأراد أن يكون له عمل يكسب منه قوته ويعول نفسه ويساعد
عمه بما أمكن فاشتغل في بادئ حياته العملية بالرعي وكان حرفة الأنبياء المفضلة فكان
يرعي الأغنام لأهله، ولبعض أهل مكة بالأجر.
-واستمر النبي في اشتغاله بالرعي حتى بلغ
مرتبة الشباب، ولم تعد حرفة الرعي تناسب سنه فاشتغل بالتجارة كشباب عصره، فكانت أول
رحلة تجارية يقوم بها مع قوافل قريش الذاهبة إلى الشام وقد عرف عنه صدق حديثه
وعظم أمانته فخرج في مال السيدة خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي ومعه ميسره غلامها،
وكانت إمرأة ثرية فكانت رحلة تجارية موفقه مباركة حتى ربح لها اضعاف ما كانت تريحها
قبل ذلك .
حرب الفجار:
-في العشرين من عمر الرسول حدثت حرب الفجار
بين كنانة وقيس عيلان وقد شارك القرشيون مع كنانة فشارك النبي الكريم أعمامه القرشيين
وذلك لقتل واحد من بني كنانه واحدا من قيس عيلان بسبب تنافسهما علي إيجاره لطيمة للنعمان
بن المنذر في شهر رجب الذي يحرم فيه القتل فكان النبي الكريم يجمع النبل لأعمامه، وكان
قائد قريش حرب بن أمية من بني عبد شمس
زواجه من السيدة خديجة:
-لما عاد الرسول من هذه الرحلة التجارية
الموفقة حكى ميسرة لسيدته خديجة دقائق ما رأه وشاهده في محمد ، وعظم
ما سمعته عنه فرغبت خديجة في الزواج منه .
- وكانت خديجة في الاربعين من عمرها في ذلك الحين، وكانت امراة حازمة
شريفة النفس من أوسط نساء قريش نسبا، وأعظمهن شرفا واكثرهن مالا، وقد تقدم للزواج منها
كثير من أشراف قريش بعد موت زوجها الثاني ولكنها أبت أن تتزوج أحدا حتى سمعت ما سمعت
عن محمد .
-فعندئذ عرضت الزواج منه عن طريق إحدى صويحباتها فوافق النبي الكريم بعد أن
إستأذن من عمه أبي طالب وتم الزواج بينهما قبل الهجرة بثمانية وعشرين عاما، وعاشا
علي أتم وفاق حتى توفيت رضي الله تعالى عنها في السنة العاشرة من البعثة النبوية ولم
يفكر الرسول صلى الله عليه وسلم في الزواج بغيرها حتى توفيت وفاء لها لطيب عشرتها
وحسن أخلاقها مع أنه عليه السلام كان في الخامسة والعشرين في بدايه
زواجه منها .
0 تعليقات
اكتب سؤالك وسنرد عليه في أقرب وقت
Emoji